مواقفنا بين العدل والإحسان

nzeer

الشيخ ماجد الراشد

مقدمة ؛

في جميع اقوالنا وأفعالنا وأخلاقنا نحن بين ثلاثة خيارات:

الأول : الظلم 

والثاني : العدل 

والثالث : الفضل وهو الإحسان وهي في قوله تعالى ؛

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. النحل90

قال المفسرون؛ 

أصل البغي؛ التعدي ومجاوزة الحد في كل شيء،

والفحشاء؛ ما قبح من الأقوال والأفعال،

والمنكر؛ ضد المعروف

وسأفصل في معنى العدل والإحسان لأنه موضوع المقال:

1 ) تعريف العدل والإحسان ؛

العدل هو التوحيد، والإحسان هو تجريد التوحيد

العدل هو إفراد الله بالعبادة، والإحسان؛ إتقان العبادة

العدل هو الاسلام، والإحسان؛ أن تعبد الله كأنك تراه!

العدل هو القيام بالفرائض، والإحسان؛ القيام بالنوافل،

العدل؛ هو الاستقامة، والإحسان؛ ملازمة الاستقامة،

العدل؛ هو الإنصاف، والإحسان هو التفضل،

العدل هو المعاقبة بالمثل، والإحسان هو العفو،

العدل هو القسط والموازنة، والإحسان؛ الإكرام والاهتمام

العدل؛ الالتزام بالحق، والإحسان؛ الالتزام بمكارم الأخلاق

تعالوا الآن إلى تطبيق السلف وفهمهم لهذه اﻵية :

2) فهم السلف لهذه الآية وقصصهم ؛

=روى{منصور بن المعتمر عن الشعبي عن شتير بن شكل عن ابن مسعود قال؛ إن أجمع آية في القرآن للخير والشر : إن الله يأمر بالعدل والإحسان …}ك3358،طب8658 ،تط14/337وسنده صحيح

=ورواه{أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن الشعبي عن شتير ومسروق عن ابن مسعود نحوه} طب8659، هش2173 وسنده صحيح

=ورواه{الحمادان عن عاصم عن أبي الضحى عن شتير ومسروق عن ابن مسعود بمعناه} طب8661،خد489وسنده جيد

=ورواه {عاصم بن علي ثنا جويرية بن بشير قال سمعت الحسن يقول؛ إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة…وقرأها }حل158/2،هش138 وعاصم حسن في الشواهد،

=وروى{بِشْر عن يَزِيد عن سَعِيد عَنْ قَتَادَة؛ إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان….؛ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ خُلُق حَسَن كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَعْمَلُونَ بِهِ وَيَسْتَحْسِنُونَهُ إِلَّا أَمْر اللَّه بِهِ، وَلَيْسَ مِنْ خَلَقَ سَيِّئ كَانُوا يَتَعَايَرُونَهُ بَيْنهمْ إِلَّا نَهَى اللَّه عَنْهُ} تط16505 وسنده جيد

فهذا أصح ما ورد فيها، أما أثر علي وابن عباس فضعيفان.

=وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ويدعوها للإسلام ويقرأ عليهم القرآن، فذهب مع أبي بكر إلى مجلس شيبان بن ثعلبة وقرأ عليهم آية النحل فقال مفروق بن عمرو؛ دعوت إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ثم تكلم هانئ بن قبيصة ثم تكلم المثنى بن حارثه فقال؛ إن هذا الأمر الذي تدعونا إليه مما يكرهه الملوك…

فقال النبي لهم؛ ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه….ثم نهض وهو يقول؛ يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما اشرفها؛ بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم.

=وقال أكثم بن صيفي -وكان زعيم قومه- لما سمعها؛ إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رءوسا ولا تكونوا فيه أذنابا.

3 ) العدل واجب وفريضة، والإحسان مستحب وفضيلة:

وهذا عام شامل لجميع معاملاتنا بالحياة وهذه أمثلة؛

= وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا،

=فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗفَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيم،

= وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ،

=ِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ،

= وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ….ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ، لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ،

= وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ،

= وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰ لِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. سورة الشورى39-43

=وفي الصحيحين<عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم>خ7199، م1709 

قال ابن عبد البر؛ وأن لا ننازع الأمر أهله ؛ هم أهل العدل والإحسان والفضل والدين مع القوة على القيام بذلك ، وأما أهل الجور والفسق والظلم فليسوا بأهل له…وبهذا خرج الحسين وابن الزبير وخيار أهل العراق وعلمائهم وأخرج أهل المدينة بني أمية عنهم فكانت وقعة الحرة. الاستذكار 16/5

=وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى أميره على الكوفة:

أما بعد ؛ فإن أهل الكوفة أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام الله وسنن خبيثة سنها عليهم عمال سوء ، وإن قوام الدين العدل والإحسان…،

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله ؛ 

أما بعد ؛ فكن في العدل والإحسان كمن قبل في الجور والظلم والعدوان.

4) وجوب العدل وأهميته بقدر المسؤولية، وتزداد عقوبة الظالم بقدر تفريطه؛

فمن غش الناس من الحكام والمسؤولين سواء كان يتبع الدول أو يتبع الفصائل واستباح الدماء أو الأموال أو الأعراض فقد ارتكب المظالم وجاء مفلسا يوم القيامة ولن ينفعه أميره أو شعاره أو نيته الصالحة إن كانت صالحة.

ويزداد الواجب اذا كان الظالم حاكما أو مسؤولا وله قوة تحميه كما يفعل آل سعود في السيطرة على أراض أهل الحجاز واغتصابها من أهلها وهدم بيوتهم التي يسكنونها من عشرات السنين،

ومثله تحرير المحرر في الشام ، فكله ظلم واعتداء وعدوان تبذل الأنفس والأرواح لدفعها،

أما إن صاحب ذلك سفك للدماء وترويع للمسلمين فهذا من أعظم الفساد في الأرض.

5) واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ؛

لن يكون حكم بالعدل إلا بأداء الأمانات إلى أهلها وتولية الأخيار في المناصب؛

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ،

وما يحدث في هذا الزمان من تولية الرجل بسبب ولائه للأمير وإقصاء الأخيار بسبب استقلالهم ينذر بكارثة يفسد بها دين العباد ودنيا البلاد،

ودعوى تحكيم الشريعة والحرص على المصلحة العامة ورغبة الناس وغير ذلك من الشعارات لا قيمة لها في ميزان الله إن لم تكن الأقوال أفعالا، وتترجم الشعارات واقعا ملموسا،

وأهم ما تجدر الإشارة هو يحدث في دهاليز المباحث وغرف الأمنيين من الأمور التي لا يختلف اثنان أنها من الظلم والجور والفساد، ومن زعم أن ذلك من الشريعة فهو جاهل أو ظالم أو زنديق،

وأخيراً؛ 

أختم بقول النبي صلى الله عليه وسلم ؛

{إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه} د4338،ت2168 وغيرهما من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق مرفوعا وموقوفا، وسنده صحيح.

أضف تعليق